Menu

كذبة القرار الفلسطيني المستقل 

اسحق أبو الوليد

خاص بوابة الهدف

تصادف هذا اليوم ذكرى أخرى لاستعمار واحتلال فلسطين وتشريد شعبها على يد الحركة الصهيونية والإمبريالية، يبدو فيها العدو متبجحًا ومتغطرسًا يشرب أنخاب تراكم انتصاراته وغزوه علنًا وفي وضح النهار لقصور العار والخيانة في عواصم الحكام الرجعيين العرب؛ عملاء الإمبريالية والصهيونية، ويزداد أفق أحلامه اتساعًا إلى أبعد من الآفاق التي رسمها قادته وفلاسفته الأوائل. بالمقابل وللوهلة الأولى تظهر الصوره سوداويه وقاتمة عند أصحاب الأرض والحق والتاريخ بسبب انحطاط قيادتهم الرسميه واستسلامها أمام عدوها وتسليمها بمشيئته، وإغلاقها لآفاق النضال، والتنكر لرواية شعبها الأصليه وإقرارها بما زوره العدو لتبرير وجوده، وإعطائه الصفة الشرعية والرسمية بتواقيع الذل والعار التي لن يمحيها إلا نار الثورة الشعبية، التى باتت ملامح قدومها ونهوضها من كل قواعد الفصائل وجماهير شعبنا والحركات الوطنية التي أسست الثوره المعاصره، والتي لن ولا تنسى تضحيات أبنائها أو تسمح ببيعها والمتاجرة بها قي أسواق الصهيونية والإمبريالية وعملائهم؛ الرجعية العربية. 

في الواقع ليست هي المرة الأولى التي يتم فيها تناول موضوع "القرار المستقل"، الذي شكل أحد ركائز الضغط والابتزاز السياسي من قبل قيادة اليمين لخصومها في الساحة الفلسطينية "وتخوينهم واتهامهم بالتبعية والعمالة" لدول عربية أو إقليمية لرفضهم لنهجها التسووي التفاوضي مع العدو، منذ بدايات حقبة السبعينيات من القرن الماضي حتى الآن. هذه القياده التي تمترست وتخندقت في كافة مؤسسات منظمة التحرير واستحوذت على مراكز القرار فيها منذ " دخولها" إليها وتسلم الراحل ياسر عرفات رئاستها، بقرار عربي رسمي مدروس ومضبوط، وخاصة من قبل أصحاب أموال النفط؛ هذه الأموال التي خرَبت ودمرت البرنامج السياسي والميثاق القومي للمنظمة، بهدف حرفها وإخراجها من الطريق التي أرادها أن تكون فيه صاحب الفكرة الأساسية لإنشائها؛ الرئيس المناضل الخالد جمال عبد الناصر. 

عند تناول الأهداف السياسية والتسلطيو لهذا الشعار؛ القرار المستقل، لا بد من التعريج أولاً على موضوع الاستقلالية والسيادة للشعوب، وإمكانية وشروط تطبيقها وتحقيقها في ظروف ومعطيات تاريخية اقتصادية واجتماعية محدده، فرضها النظام الرأسمالي الكولونيالي منذ نشأته وحنى الآن. إن الاستقلالية بمعناها الشامل والمطلق لا تتحقق حتى لدى الدول المتطورة التي لأسباب موضوعية أحيانًا، ولأخرى ذاتيه أحيانًا أخرى، تضطر لاتخاذ قرارات تٌفرض عليها ولا تنسجم مع استقلاليتها، كما في الطبيعة أيضًا، فإن عناصر مكوناتها توجد إما متلازمة وإما مترابطة في وحده جدليه لا تدع أية مكان للاستقلالية المطلقة، لهذا تظهر القوة في علاقات الدول؛ من أجل السيطرة والهيمنة والاحتواء العامل الأهم لضمان "استقلالية" ما. عند اتخاذ القرارات في هذا السياق يأتي النضال العنيد والقاسي للشعوب المستعمرة؛ من أجل الاستقلال والسيادة كنقيض للاستعمار وللاحتلال والتبعية واستغلال ونهب ثرواتها الوطنية والقومية، حتى وعندما يتم التحرير وطرد المستعمر أو خروجه من الدوله المستَعمرة لأسباب تكتيكية لا يتم تحقيق الاستقلال والسيادة فورًا وبشكل أوتوماتيكي؛ بسبب استفحال الصراع من جديد بين وكلاء الاستعمار الطبقيين من جهة، وقوى الثوره والتحرير والبناء من جهة أخرى، الذي تعتمد نتيجته على مقدرة أحد أطرافه على الإخلال بموازين القوى وتحقيق الانتصار وحسم الصراع الداخلي لصالحه وصالح حلفائه.  

إن الاصلاحات والتحولات البنيوية التي يجب إجرائها للقطع الكامل مع الحقبة الاستعمارية وأدواتها السياسية والطبقية وتحقيق السيادة والاستقلال، تتطلب انتصار القوى التي تمثل المصالح الشعبية والوطنية والقومية، لا مصالح حفنة من المرتشين والطفيليين. ما حدث في الوطن العربي عكس ذلك تمامًا، ففي معظم دوله وخاصة النفطية نصَّب الاستعمار ممثلي الطبقات والشرائح البرجوازية الكومبرادورية الطفيلية المتخلفة على سدة الحكم، والتي مقابل ذلك وضعت الثروة القومية وسيادة الوطن وأمنه واستقلاله في خدمة الاستعمار الجديد، ووضعت نفسها في تناقض تام مع المصالح القومية والوطنية الشعبية، وأصبح هؤلاء الحكام تابعين وموظفين لدى القوى الاستعمارية القديمة التي أخذت تمارس استعمارها الغير مباشر (الاستعمار الجديد) في معظم أجزاء الوطن العربي، وكرست الاستعمار الصهيوني الإمبريالي المباشر الإحلالي الاقتلاعي الفاشي لفلسطين.  

في ظل هكذا واقع؛ هل ممكن أن يوجد قرار مستقل لأي كان من أحزاب وحكومات الوطن العربي، وخاصة لقوى الثورة وحركة التحرير الفلسطينية على اختلاف انتماءاتها الطبقية والأيديولوجية والبرنامجية، حيث وطنها مستعمر ومحتل وتقيم في دول ذات أنظمة مختلفة، في معظمها عدوة أو غير صديقة، تعيق وتطارد المناضلين من أجل التحرير، وتعرقل التحالفات الوطنية والقومية والأممية لقوى تخوض نضالات ومعارك مشتركه ضد عدو مشترك، ولها نفس الاستراتيجية والأهداف. 

منذ انطلاقة الثوره الفلسطينيه الحديثة كانت وما زالت قواها سواء كانت يمينية أم يسارية تخضع لنفس القوانين التي تحكم الثورة الفلسطينية، وتتحكم بشروط وعوامل النضال الفلسطيني بشكل عام، ضد الإمبريالية والصهيونية وتجسيدها المادي "إسرائيل" ، ولكن بقدر ما كان يقترب اليمين من المعسكر المعادي بحثًا عن الحلول "السلمية" والتعايش والتصالح الطبقي معه، كان يبتعد بنفس المقدار أو أكثر عن استراتيجية وبرنامج منظمة التحرير ويفقد ما كان يكتسبه من استقلالية نسبيه منحها إياه الكفاح المسلح وزخم النضال الفلسطيني والتأييد الشعبي الواسع. ولكن عندما تلوثت قيادات هذا اليمين في العلاقات، وخاصة السرية مع العدو وأجهزته المخابراتية، وتوغلت بعيدًا في بحر المفاوضات والتسوية السياسيه عارية ومكشوفة الظهر، وبدأت ليس فقط في تقديم التنازلات، بل القبول بالتزامات ما يسميه العدو "اثبات حسن النية" التي جردتها ليس فقط من أي نوع من أنواع الاستقلالية الوطنية، بل أيضًا من الإرادة الشخصية "للمفاوضين" أو عناصر الاتصال الذين كان محمود عباس في مقدمتهم، كما هو صرح بذلك، حتى وصلت بسلوكها هذا إلى توقيع وعود (اتفاقيات) أوسلو كما قررها وفرضها كيان العدو، والتي تستجيب "لمصالحه الأمنية الاستيطانية والسياسية والأيديولوجية والتاريخية"، وما تبعها من إذلال عندما فرضت الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني على قيادة منظمة التحرير ورئيسها الراحل ياسر عرفات إلغاء وتعديل أكثر من 25 بند من الميثاق الوطني والبرنامج السياسي للمنظمة، مبشرة بعهد جديد من التبعية الكاملة، وفي كافة المجالات، والارتباط بكيان العدو بشكل مباشر عن طريق إقامة "سلطه فلسطينية" تقوم ببعض وظائف الاحتلال، بل كما أرادها، كأحد أدواته؛ تساهم بتنفيذ أهدافه وخاصة الأمنية والاستيطانية الاستعمارية، ليس هذا فقط، فقد جعل من موظفيها (الوزراء)، بمن فيهم رئيس الوزراء ورئيس السلطة رهائن لديه لا يتحركون إلا بإذن منه. فعن أية دولة وقرار وطني مستقل تتحدثون أيها السادة؟! أتعتقدون أن شعبنا لا يرى ولا يسمع ولا يدرك واقعه؟! 

نعم.. إنه يرى ويدرك ويعرف واقعه جيدًا، ويتألم عندما تكون العقبة أمامه للقتال والنضال ضد الاستعمار الصهيوني الإمبريالي لوطنه، ومن أجل تحريره هي "السلطة" التي وعدته بالمن والسلوى والدولة المستقلة، ولكنها في الواقع منذ اليوم الغول لإيجادها بدا عدها التنارلي لتصبح معنويًا ووظيفيًا "كاتحاد للمجالس البلدية والقروية"، أي سلطة بدون سلطة كما يقول أصحابها، ولم تعد تستطيع التستر على مصادر قراراتها الأساسيه المتمثلة بالثلاثي السعودي الأردني المصري؛ وكلاء الإمبرياليه والصهيونية الرئيسيين في الوطن العربي. 

إن المعركة الآن يجب أن تنصب على وطنية وقومية وثورية القرار والبرنامج والاستراتيجية، وليس على "استقلاليته" الافتراضية والكاذبة، ومن أجل الاتحاد في جبهة وطنية معادية للصهيونية والامبريالية والرجعية؛ القادرة على تعزيز تحالفاتها ونضالاتها المشتركه مع محور المقاومه عربيًا وإقليميًا، ومع أحزاب وحركات التحرر العربية والعالمية، كي توفر الحاضنة الاستراتيجية لإنجاز مهمة تحرير فلسطين، وإنهاء الصهيونية وكيانها من على أرضها، وعودة أهلها وكافة المشردين.